ما هو الطائر الذي يلقح حيوان

السؤال هو ما هو الطائر الذي يلقح حيوان

ما هي طبيعة العلاقة بين العقاب والثعلب؟! وما سبب تأكيد العامة أن الثعلب يقوم بدور الذكر بالنسبة للعقاب؟!
للإجابة على هذه التساؤلات لا بد لنا من الإشارة إلى أن الناس يتداولون في أحاديثهم كثيراً من الأمور التي لا يمكن تصديقها ولكنها تظل عند كثير من الناس من المُسلَّمات.
وهذا الأمر تجده ينتشر في الأدب الشعبي فتراه في القصيدة والحكاية والمثل الشعبي بل أن بعض المُسلَّمات إنما هي محض أساطير لا صلة لها بالواقع، ومن هذه الأمور التي يصعب تصديقها هي أن طيور العقاب كلها من الأناثي ولا يوجد فيها ذكر، وحين تسأل عن طريقة تكاثرها تأتيك إجابة أشد غرابة وهي أن الثعلب يقوم بدور الذكر في تزاوج هذه الطيور!!!
ورغم أن هذا الأمر لا يصح علمياً إلا أننا نجد في جنبات الأدب الشعبي ما يؤكده فهذا الشاعر قطن بن قطن أحد شعراء عمان وأمرائها يرسل قصيدة مشحونة بالألغاز إلى ابن بسام في عنيزة ومنها هذا اللغز:
أنشدك عن أنثى تعاشر مالها
ذكر يجيها وأصل ما تلد الذكر
فتكون إجابة ابن بسام:
تنشدني عن أنثى تعاشر ما لها
ذكر يجيها واصلها ما تلد الذكر
هذا (عقاب الطير) كلها اناثي
ولا تستحيط الناس في هذا الخير
ولقد حدثني عدد من الثقات من كبار السن وغيرهم عن مشاهداتهم (المناورات) بين العقاب والثعلب على الأرض وكذلك حدثوني عن رؤيتهم أيضاً لآثار الثعلب والعقاب المتتابعة والمستمرة على الأرض لمسافة قصيرة.
وذكروا لي طيران العقاب ثم هبوطه أمام الثعلب وقيامه ببعض الحركات ولكن لم يذكر لي أي منهم أنه شاهد عملية تزاوج حقيقية، فهذه المشاهدات تؤكد وجود العلاقة بين العقاب والثعلب في حين أن ذلك لا يعني أن هذه العلاقة هي التزاوج.
فالذاكرة الشعبية بعد أن رسخ فيها عدم وجود ذكر لطيور العقاب ارتبطت مشاهداتها لهذين الكائنين سوياً بأن الثعلب يقوم بدور الذكر المفقود لهذه الطيور في حين أنه ربما هناك علاقة أخرى بينهما كما تقتضي التفسيرات العملية وقال لي أحد كبار السن ممن له ولع بالمقناص ومعرفة بالصحاري أن الدليل على ذلك رغم أنني قضيت أكثر من سبعين سنة في الصحاري فلم يسبق لي أن رأيت عقاباً يفترس ثعلباً رغم أن العقاب يصيد الوعول والظباء ومن أشد الجوارح افتراساً.
وأقول صحيح أن العقاب من الجوارح الجريئة والقوية وتصطاد الظباء كما قال امرؤ القيس:
كتيس الظباء الأعفر انفرجت له
عقاب تدلت من شماريخ ثهلان
ولكن عدم الرؤية للشيء لا ينفي وجوده فلقد نشرت إحدى المجلات ذات الاهتمام صورة يظهر فيها عقاب أسود وقد اصطاد أحد الثعالب فلا يستبعد أن يكون الثعلب إحدى طرائد العقاب التي يخادعها ليفترسها (مجلة البواسل العدد الثاني يونيه 2003م ص87).
ولاعتقاد العامة هذا أصل عند العرب القدماء فقد ذكر الدميري في حياة الحيوان الكبرى أن العقاب كله أناثي وإنما يسافده طير آخر وقيل أن الثعلب يسافده واستشهد بقول الشاعر:
ما أنت إلا كالعقاب فأمه
معروفة وله أب مجهول
ولكن الدميري أشار إلى أن العقبان تأكل أكباد الثعالب وهذا ما ينفي أن العقاب لا يفترس الثعالب ومما يدل على افتراس العقاب للثعلب قول دريد بن الصمة في العقاب:
فبانت عليه ينفض الطل ريشها
تراقب ليلا ما تغور كواكبه
فلما تجلى الليل عنها وأسفرت
تنقض حسرى عن أحص مناكبه
رأت ثعلبا من حرة فهوت له
إلى حرة والموت عجلان كاربه
فخر قتيلا واستمر بسحره
وبالقلب يدمي أنفه وترائبه
أما العقاب فمن الجوارح القوية البأس ولكنها تفضل السطو على فرائس غيرها على قيامها باقتناص الفريسة وكثيراً ما تهاجم الجوارح الأخرى للحصول على صيدها يساعدها في ذلك الرعب الذي ينتاب الطيور عند رؤيتها ولذلك فلا تجد أي مقاومة ولذلك لقب العقاب ب(ملك الطيور).
وفي تصوري لا تخرج علاقة العقاب بالثعلب عن هذه الطبيعة لطائر الغراب فربما أنه حين يرى مع الثعلب فريسة يهوي إليه ليحصل عليها فيما يحاول الثعلب الحفاظ عليها وتستمر المناورة بينهما حتى يفوز بها أحدهما رغم قدرة العقاب على افتراس الثعلب.
ومن عجائب العقاب التي يحبذ ذكرها أنها تأكل الحيايا ما عدا رؤوسها وتأكل الطير إلا قلوبها فإنها ترمي بها جانباً ولذلك قال امرؤ القيس في وصفه للعقاب:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
لدى وكرها العناب والحشف البالي
وأخيراً نستذكر قول الله تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} (الذاريات الآية 49) فيتأكد لنا أن الذاكرة الشعبية لا تخلو من معلومات وهمية خاطئة تجذرت بسبب الإدراك المحدود لطبيعة الخلق