شكرا لك للتصويت على هذا السؤال و مشاركتنا للحفاظ على هذا الموقع

قصة مثل

ما قصة المثل "النصيحة بجمل"

ما قصة المثل "النصيحة بجمل"
يروى أن رجلا ضاقت به سبل العيش ، فسئم الحياة ومل حياة العوز والفقر وقرر أن يهيم على وجهه في بلاد الله الواسعة طلبا للرزق ، فترك بيته وأهله(زوجة وبناتا) وغادر المنطقة متجهاً نحو الشرق ، وسار طويلاً حتى وصل بعد جهدٍ كبير ومشقةٍ عظيمة إلى منطقة شرقيّ الجزيرة العربية، وقادته الخطى إلى بيت أحد الشيوخ الأجواد الذي رحّب به وأكرم وفادته ، وبعد انقضاء أيام الضيافة سأله عن غايته ، فأخبره بها . فقال له المضيف : ( الفقرموعيب ولايوطي من القدرشان لكن العيب على الشينة يسويها )، ما رأيك أن تعمل عندي على أن أعطيك ما يرضيك ؟...... ولما كان صاحبنا بحاجة إلى مكان يأوي إليـه ، وإلى عملٍ يعمل فيه اتفق معه على ذلك .
وعمل الرجل عند مضيفه أحياناً يرعى الإبل وأحياناً أخرى يعمل في مضافته يعدّ القهوة ويقدمها للضيوف ، ودام على ذلك الحال لأكثر من عشرين سنة كان الشيخ يكافئه خلالها ببعض الإبل والماشية .
ومضت عدة سنوات اشتاق فيها الرجل لبيته وعائلته وتاقت نفسُه إلى بلاده وإلى رؤية أهله وأبنائه ، فأخبر صاحب البيت عن نيته في العودة إلى بلده ، فعزّ عليه فراقه لصدقه وأمانته ، وأعطاه ثلاثة بعارين من الإبل وودّعه وتمنى له أن يصل إلى أهله وهو بخير وسلامة ، هذا المعزب أو المضيف يشتهر بالحكمة وبعد النظر في الحياة ، خطر له أن يفيد ضيفه وعرض عليه أن يبيعه بعضا من نصائحه وقبل الضيف بذلك
فقال الشيخ : كلّ نصيحة بب*****.

فأطرق الرجل مفكراً في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلاً من أجل الحصول عليه ، ولكنه في النهاية قرر أن يشتري نصيحة مهما كلفه الأمر فقال له : هات لي نصيحة ، وسأعطيك بعيراً ؟

فقال له الشيخ :" لن دنق سهيل لا تأمَن للسيل ولو توالي الليل ، ولتنام ع جنب الواد واطلع ع ظهر المرقاب ".

ففكر الرجل في هذه النصيحة وقال : ما لي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة ، وماذا تنفعني هذه النصيحة في هذا الوقت بالذات . وعندما وجد أنها لا تنفعه قال للشيخ : هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك بعيراً آخر. .

فقال له الشيخ : " لاترافق أزغب عيون ولا أفرق سنون ولا مقطع عوارض اللحية " .

وتأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضاً وأدارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة ، فقال والله لأغامرنّ حتى النهاية حتى لو ضاع تعبي كلّه في دقائق معدودة ، فقال للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك بعيراً آخر .

فقال له : " نام على النَّدَم ولا تنام على الدم، وزعل النهار خلَيه للَيل وزعل اللَيل خليه للنَهار".

ولم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها ، فترك الرجل ذلك الشيخ وسار في طريقه ، وظل يسير لعدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدّة الحر .

وفي أحد الأيام أدركه المساء فوصل إلى قوم من العربان قد نصبوا خيامهم ومضاربهم في قاع وادٍ كبير ، فتعشّى عند عقيد القوم وباتَ عنده ، وفي الليل وبينما كان ساهراً يتأمل النجوم طلع نجم سُهيل ورأى البنيَة ( العنكبوت ) شايله عيالها من الجحر وطلعت يم الطَور وعرف إنَه الدنيا شتَاية، تذكّر النصيحة التي قالها له الشيخ ففزع مذعوراً ، وأيقظَ عقيد القوم وأخبره بقصة النصيحة ، وطلب منه أن يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي ، ولكن المضيف سخر منه ومن قلّة عقله ولم يكترث له ولم يأبه لكلامه ، فقال والله لقد اشتريت النصيحة بب*****ولن أنام في قاع هذا الوادي ، فقرر أن يبيت على مكان مرتفع ، فأخذ جاعِدَهُ ونام على مكان مرتفع تحت طور بعالي الوادي يقيه من السيل العارم

وفي أواخر الليل جاء السيل يهدر كالرعد فأخذ البيوت والعربان ، ولم يُبقِ لا دبش ولا طرش. سوى( خرج فرس ) لعقيد القوم المليء بالذهب والمال ، وأنعق للمواشي فتبعته وسار في طريقه عدة أيام أخر حتى وصل في أحد الأيام إلى بيت في الصحراء ، فرحب به صاحب البيت وكان رجلاً نحيفاً خفيف الحركة ، وأخذ يزيد في الترحيب به والتذبذب إليه حتى أوجس منه خيفة ، فنظر إليه وإذا به " ذو عيون زغب وأسنان فُرْق وعوارض لحيته مقطوعة عن بعضها " فقال آه هذا الذي أوصاني عنه الشيخ ، إن به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء وتذكر أيضاً قول الشاعر:
لاتامن عدوك ولوسنوفي وجهك بان سكاكين الغدربالجيب خافيها ))

وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت قريباً من مواشيه وأغنامـه ، وأخذ فراشه وجَرَّه في ناحية ، ولكنه وضع حجارة تحت اللحاف ، وانتحى مكاناً غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه ، وبعد أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام ،خاصة بعد أن لم يرَ حراكاً له ، أخذ يقترب منه على رؤوس أصابعه حتى وصله ولما لم يسمع منه أية حركة تأكد له أنه نائم بالفعل ، فعاد وأخذ سيفه وتقدم منه ببطء شديد ودبيب خفيف ثم أهوى عليه بسيفه بضربة شديدة ، ولكن الضيف كان يقف وراءه فقال له : لقد اشتريت والله النصيحة بب*****ثم ضربه بسيفه فقتلـه ، وساق ماشيته مع ماشيته وغاب في أعماق الصحراء

وبعد مسيرة عدة أيام وصل في توالي الليل إلى منطقة أهله ، فوجد مضارب قومه على حالها ، فترك ماشيته خارج الحيّ ، وسار ناحية بيته ورفع الرواق ودخل البيت فوجد زوجته نائمة وبجانبها شاب طويل الشعر ، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوى به على رؤوس الأثنين ، وفجأة تذكر النصيحة الثالثة التي تقول " نام على الندم ولا تنام على الدم ، وخلي زعل الليل للنهار وزعل النهار لليل" ، فبردت أعصابه وهدأ قليلاً فتركهم على حالهم ، وخرج من البيت وعاد إلى أغنامه ونام عندها حتى الصباح
ولما استيقظ أهله ورأوه في مراح غنمهم ذهبت الزوجة وكشفت عن وجه النائم فعرفته من سنحة ( فشخة ) في جبهته وتركوه وعادت الزوجة فأخبرت إبنها وأعدت القهوة فرحا بعودة رجل البيت، وبعد شروق الشمس ساق أغنامه واقترب من البيت فعرفه الناس ورحبوا به ، واستقبله أهل بيته وقالوا : والله من زمان يا رجل ، لقد تركتنا منذ فترة طويلة ، انظر كيف كبر خلالها إبنك حتى أصبح رجلاً ، ونظر الرجل إلى إبنه فإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالليل بجانب زوجته فحمد الله على سلامتهم ، وشكر ربه أن هداه إلى عدم قتلهموقال بينه وبين نفسه والله إن كل نصيحة أحسن من بعير